نقاط أساسية تفيد في التعريف بالعوامل الأساسية التي ساهمت في استمرار عمل فرقة الفنون الشعبية وتواصل التجربة رغم الظروف والعراقيل السياسية والمجتمعية المتعددة ..ظروف النشأة والتطور


نقاط أساسية تفيد في التعريف بالعوامل الأساسية التي ساهمت في استمرار عمل فرقة الفنون الشعبية وتواصل التجربة رغم الظروف والعراقيل السياسية والمجتمعية المتعددة ..ظروف النشأة والتطور

( خالد قطامش ) ربما يكون من أول الأسباب التي ساهمت في استمرار تجربة الفنون وتطورها بهذا الشكل الراسخ والمتجدد هو ظروف وتاريخ نشوء الفرقة، حيث كانت انطلاقتها في العام 1979 تعبيرا عن حالة تناغم مع الحالة النضالية والجماهيرية التي شهدت نهوضا واتساعا في الوطن المحتل في تلك الفترة ، إذ أخذت القوى السياسية تنشط في تشكيل أطرها الجماهيرية وفعالياتها المجتمعية، وأخذت النوادي والنقابات والمؤسسات الجماهيرية تفعل من نشاطاتها وتوسعها على مختلف الصعد، وتتفاعل مع المجتمع بشكل أفضل وأوسع، وكان للبعد الثقافي التراثي الأهمية الكبيرة في هذا المجال باعتباره تجسيدا لفكرة المواجهة للهجوم المخطط على وجودنا البشري والتاريخي والجغرافي والتراثي، فجاءت فكرة تأسيس فرقة الفنون لتكون لها مساهمتها في الحفاظ على التراث الشعبي الفلسطيني وحمايته من الطمس والاندثار. والى جانب التناغم مع الحالة الجماهيرية، هناك الانسجام الداخلي بين المؤسسين للفرقة، والتوافق بينهم في الأفكار والأهداف والرؤى فنيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا .

القيادة الجماعية في الفرقة

( قطامش ) … وجود إدارة جماعية للفرقة منذ تأسيسها ضمن لها الاستمرارية والتطور، ولم يكن هذا الأمر ليتعارض بأي شكل ولا في أي وقت مع دور الفرد في الفرقة ، بل إننا نعتمد في أسلوبنا على الانخراط الطوعي الخلاق للفرد في الجماعة دون إلغاء لخصوصيته وتفرده، وعلى وضع هذه الخصوصية في الإطار الجماعي بهارمونية إبداعية، مما يرفع من مستوى وحجم مساهمات الفرد ويجعلها الرافد المعطاء لمساهمة الجماعة وبالعكس ، وهذا الأسلوب المطبق فنيا وإداريا، حمى الفرقة تاريخيا من احتمالات إصابتها بالشلل أو التراجع، إذا ما غادرها أحد الأعضاء المميزين، مهما كان موقعه ودوره في الفرقة، وكعادتها تواصل الفرقة مشوارها بعد مغادرة أحد الأعضاء ، الذين قد يتركون فراغا جزئيا ومؤقتا، ولكن سرعان ما يتم ملؤه دون أن تتعثر مسيرة الفرقة أو تتراجع.

( خالد الغول ) … اعتقد أن هذا العامل شكل عنصر تميز مشهود للفرقة ، وحالة ديمقراطية إبداعية عندما تجتمع الذات والمجموع ، والفرد والجماعة ، فلا ينكمش الفرد ولا تتمادى الجماعة، وما شكلته تجربة الفرقة في مسيرتها الفنية يشير إلى مساهمة جادة في مسيرة الفعل الثقافي الإبداعي المتمأسس فلسطينياً.

استقلالية الفرقة

(قطامش) تعتمد الفرقة على ذاتها ،وتحرص باستمرار على استقلاليتها في تقرير أمورها الداخلية التي تخضع لنقاش داخلي جماعي وديمقراطي على الصعيد الفني والإداري والمالي، فمنذ العام 1984، أي سنة إنتاج أول عمل فني متكامل للفرقة "وادي التفاح"، ومع وجود قناعة تامة لدينا بأهمية الفن في مساندة القضية السياسية ، بدأنا نلتفت إلى أهمية ألا نقوم بتسييس الفن بشكل فج ومباشر لأن ذلك سيخل بدوره ومساهمته .

( الغول) … عبر التجربة لم نعد نسمح بأن يتحول العمل الفني إلى بيان سياسي، أو أن تكون الفرقة مجرد بوق إعلامي، تمارس (البروباغندا) وفق الظروف والمصلحة السياسية الآنية المباشرة، بل نحن نلتفت دائما إلى جذور الأشياء، كما نلتفت في ذات الوقت إلى الآفاق برؤيا تجاوزيه ابتكاريه ، نستبصر، ونستشف، ونستشرف، ونعطي المجال لخيالاتنا كي تحلق بلا قيود أو شروط أو محددات بعيدة عن رؤيانا المعرفية والثقافية والفنية . إن الفرقة في تجربتها حريصة على الاتساع في الرؤيا، والعمق في التناول، والانفتاح على منابع ومنابت فكرية ثقافية إبداعية متعددة، وعلى التغاضي عن الرؤية المحلية الضيقة أو الفئوية البغيضة، أو الجهوية المقيتة، وهذا ما تشي به طبيعة أعضاء الفرقة المنحدرين من أصول ومنابت وتوجهات سياسية واجتماعية وفكرية وثقافية متباينة، وتؤكده مضامين الأعمال الفنية التي تقدمها.

لوائح تنظم عمل الفرقة وعلاقاتها الداخلية

(قطامش) .. توجد قوانين وأنظمة داخلية صارمة ومهنية وعصرية تنظم عمل الفرقة وتتمتع بديناميكية عالية، وتعبر عن السياق العام لتطور الفرقة، كما تعبر عن انسجام حقيقي بين الأعضاء، ووئام مريح يجعل الجميع يحترم ويقدر عاليا مجمل القرارات والأفكار واللوائح التي يعتمدها مجلس الأمناء، وتنفذها الإدارة التنفيذية الميدانية . إن آلية عمل الفرقة التي تنظم عملها على صعيد عمل مكتب الفرقة ،والتصميم، والتدريب، والتطوير، والإعلام والتسويق والعلاقات العامة، والعضوية ..الخ تتم متابعتها وتنفيذها بشكل سلس وبمرونة وخبرة وحرص واهتمام من الجميع ارتباطا بحجم انتمائهم وحبهم للفرقة ، ولعل من أبرز الأمثلة على ضمان السير الهادئ والمريح للأمور الداخلية في الفرقة ، هو آلية القبول وتوسيع العضوية، حيث يخضع العضو الذي يقدم طلبا للفرقة لفترة تجريبية مدتها ثلاثة أشهر لفحص إمكانياته ومهاراته الفنية، ثم يرشح لفترة مماثلة لفحص أسلوبه وطريقة تعامله مع الحياة الداخلية للفرقة ومدى انسجامه مع الرؤيا العامة للفرقة وأهدافها، ومع أخلاقياتها، واحترامه لقوانينها ولوائحها الداخلية، وانتظامه في التدريب واحترام قرارات التدريب، ثم يصدر القرار بخصوص قبوله أو عدم قبوله.

كيف نتعامل مع الفن ودوره ؟

(الغول) إضافة إلى ما سبق، فنحن في فرقة الفنون لا نتعامل مع الفن كنسق مغلق تحدده علاقات الدال والمدلول القائمة في داخله، ولا ننظر إليه كوحدة متقوقعة منعزلة عن التاريخ الاجتماعي وتعقيدات البنية الاجتماعية بتغيراتها وتجددها المستمر. ولا نرى للفن تاريخا ذاتيا خالصا، بل نرى للمجتمع تاريخه وتفاعلاته الداخلية المفضية إلى علاقات وأنماط محايثة للتغيرات البنيوية فيه، ومن ضمنها الفن . فلا الفن، ولا المثقف ولا المبدع، يقفون فوق المجتمع أو خارجه، ونحن لا نضع الفن في مساحة من التجريد والرمزية بشكل مسبق وببالغ الترصد، بقدر ما نتعامل معه بواقعية منفتحة تلتفت إلى سياق المجتمع وتبحر في ثناياه لتشتبك معه في لحظة الصدام ، وتتصالح معه في لحظة الوئام ، وتستبصر آفاقه وتجلياته التاريخية، بمنأى عن واقعية المحاكاة التي تجمد الواقع وتأسره برؤيتها الاستبدادية، لذا نبدو دائما في علاقة إبداع وتلق، ونقد وحوار مع الجمهور وبشكل ديناميكي ومتفاعل، يستبعد كل منا ضمن هذه العلاقة صفة المعلم أو الواعظ أو المؤثر من طرف واحد. إننا لا نستطيع التعامل مع صيغة (الفن للفن) لأنها في كل الأحوال ليست واقعية، ولأننا ما زلنا قادرين على اختراق الواقع فنيا وفكريا ومعرفيا، والتفاعل معه وفق علاقة البناء والهدم، وبالتالي فان أسلوبنا المبني على أساس (الأصيل معاصرا، والمعاصر أصيلا) ما زال هو هادينا في تجربتنا الممتدة.

كيف تتعامل الفنون مع التراث

(قطامش) في بداية التأسيس كانت الفنون تنهل من التراث وتقوم بنقله إلى المسرح دون تدخل في بنيته الفنية أو إخضاعه لمتطلبات تقنية فنية، وبعد التأسيس بعدة أعوام بدأت تنضج شخصية خاصة بالفرقة تبحث عن التميز في كل ما تقدمه على المسرح وبدْأت يتردد في أحاديثنا مصطلح مدرسة الفنون أو رؤية الفنون اخذين منطق التوازن بين الأصالة والمعاصرة والاستناد إلى الفلكلور في بناء أعمالنا الفنية القادمة وبقي باب هذا المفهوم مفتوح في كال فترة مفصلية تمر بها الفرقة ليشكل الهادي للعمل القادم والجديد. وفي نفس الوقت اخذ أحد المفهومين " الأصالة والمعاصرة " يطغي على الآخر بحسب الرسالة والفكرة التي تريد الفرقة تحقيقها من العمل الجديد.

التمويل من المؤسسات الدولية والعربية والمحلية

(قطامش) .. منذ التأسيس وحتى العام 96 كانت الفرقة تعتمد على مداخيل عروضها وبعض التبرعات من أصدقائها في إنتاج أعمالها لفنية ولتغطية مصاريفها اليومية والتي كانت قليلة مقتصرة على انتاج العمل الفني والمواصلات كون جميع اعضاء الفرقة حتى ذلك التاريخ متطوعين 100% وبعد عام 96 بدات الفرقة تتطلع الى العالمية وتحاول وضع فرقة الفنون ضمن خارطة فرق الرقص بالعالم والتي من خلالها تحقق ( الغول) ونحن في الفنون نضع محددات أساسية نتعامل معها ونحتكم إليها عند مناقشة مصادر تمويل الأعمال الفنية والنشاطات الخاصة بالفرقة، فعندما يعرض علينا تمويل من أي مؤسسة فإننا نشترط ألا يكون المشروع المقترح تمويله متعارضاً مع توجهات الفرقة أو رؤيتها العامة أو المبادئ التي تحكم نشاطاتها أو رؤياها الفنية والثقافية . وألا ترتبط المساهمات المالية من الجهات الممولة -أجنبية كانت أم محلية - بأي شروط تؤثر أو تتدخل في الرؤية العامة للفرقة ورؤياها الفنية والثقافية . ولا نقبل أي مساهمات مالية من أي منظمة أو هيئة أو مؤسسة اشتهرت سابقا، أو في الوقت الحاضر، بارتباطها بأجهزة المخابرات أو العمل في خدمتها ، حتى وإن لم يكن تمويلها مشروطاً.ولدعم وضمان استمرارية أعمال الفرقة فنيا وإدارياً، تسعى الفرقة الى استقطاب المساهمات المالية من الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة والمنظمات الإقليمية ، ومن مؤسسات التمويل الأوروبية التي أثبتت نزاهتها ونظافتها سياسيا، على ألا تضع هذه الجهات الممولة شروطا للقيام بأعمال أو نشاطات مشتركة ذات مغزى تطبيعي مع الإسرائيليين ،أو أي جهة ترفض الفرقة التعاون معها . وتضع الفرقة في استقطابها للدعم المالي للفرقة أولوياتها في التعاون مع الهيئات والمنظمات والمؤسسات التمويلية والاقتصادية العربية والفلسطينية ، وتحرص على بناء علاقات وثيقة مع هذه المؤسسات باستمرار.

احرى اللقاء الاستاذ عبد العزيز ابو هدبه
مجلة التراث و المجتمع عدد 35، جمعية انعاش الاسرة - البيرة