امام جمهور ضاقت به جنبات مسرح قصر الثقافة "الفنون الشعبية" تعيد رسم ناجي العلي بلوحات راقصة


امام جمهور ضاقت به جنبات مسرح قصر الثقافة "الفنون الشعبية" تعيد رسم ناجي العلي بلوحات راقصةبعد عشرين عاماً على اغتيال الفنان ناجي العلي، عادت رسومه الكاريكاتورية تسخر من الواقع وتحرض على الأمل، لكن عبر لوحات راقصة لفرقة الفنون الشعبية على مسرح قصر الثقافة، وسط حضور فاق التوقعات. واختارت فرقة الفنون أن تكون الذكرى العشرون لاغتيال الفنان ناجي العلي موعداً لولادة سلسلة من لوحات راقصة تحت عنوان "رسالة الى ...."، نجحت بترجمة الخيبة والأمل، وأبقت على الواقع ملوناً بالأبيض والأسود فقط، كما رآه ناجي العلي دون احتيال على الالوان .

وكان مهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى، اختتم فعالياته أول من أمس، بعرض لفرقة الفنون الشعبية وبراعمها، حيث قدمت "الفنون" عرض "رسالة الى .." وقدمت "البراعم" عدة لوحات راقصة تحت عنوان "رقصة شمس".وفاجأت الفنون مئات المشاهدين بعرضها لوحات "رسالة الى" المستوحاة من رسومات العلي وسط حضور حاشد وصل الى ضعف استيعاب قاعة قصر الثقافة، فيما اشتكى عشرات المواطنين الذين تجمعوا خارج قصر الثقافة من نفاد التذاكر قبل خمسة أيام من موعد العرض.

اللوحة الأولى كانت "ناجي"، في تأكيد أن الفنان لم يمت وحنظلة ما زال يحمل اسمه وموقفه، يظهر على المسرح راقص بملابس سوداء يرسم بريشته، بينما يختفي بهدوء في إشارة الى مسدس كاتم الصوت الذي اغتال العلي في 22/7 /1987، يغيب الفنان عن المسرح، بينما تكتمل رسمة حنظلة ـ على شاشة كبيرة في المسرح ـ حيث يبدأ الكلام."أنا حنظلة .. وليد ريشة ناجي العلي ... بل وليد قلقه ... أو وليد رغبته في الخطوة الممكنة أو المستحيلة ...، أنا هنا في الأبيض والأسود لا أراقب الأشياء بعيني ظهري فقط، بل أبصرها بعيني هاتين اللتين لا يأكلهما الدود بل تأكلهما غصة على ما يُرى ولا يُرى".ويتابع الشاعر وسيم الكردي الذي تقمص صوت حنظلة وكتب كلماته قائلا "بيدي المعقودتين أشهد هذا الحطام، لا رغبة في المشاهدة بل إمعاناً في المشاغبة".

وقدمت فرقة الفنون في "رسالة الى ..." ثماني لوحات جديدة من أعمالها، من وحي رسومات ناجي العلي وهي: ناجي، أمل، كرامة، ممنوع الوقوف، أنا موجود، حلم، خلاف وأنا .... نحن. ولعل أبرز اللوحات التي لاقت تفاعلا كبيرا من الجمهور هي لوحة "كرامة" حيث اكتشف الجمهور أن الكرامة ليست على المحك كما يقال بل أصبحت على المكنسة!!!.في "كرامة" يبدأ راقصان ينضم إليهما لاحقا العديد من الراقصين والراقصات الذين يحملون "الكلاشينات" في مشية عسكرية مهيبة، تحت وقع أزيز الرصاص والانفجارات، ثم يستدير الراقصون ليكتشف الجمهور أن "كلاشيناتهم" ليست سوى مكانس، وبدل إطلاق النار يبدأون بكنس الأرض، غير أن أحدهم وهو الراقص "خالد قطامش" الذي يلعب دور "الزلمة الطيب" ــ احدى شخصيات العلي ــ يرفض الكنس في تمرد على الواقع ويواصل تصويب سلاحه لكن دون فائدة.....

ويقول ماهر شوامرة صاحب فكرة اللوحات إن "رسالة ... الى" موجهة لجميع الناس، ومحاولة للتأكيد أن الفن الحر الملتزم الذي ينحاز لوجع الإنسان مهدد بكاتم صوت، ومع ذلك سيبقى صوته خالدا وعاليا كما هو ناجي العلي".

بدأت فكرة شوامرة في تنفيذ لوحات راقصة لكاريكتر ناجي العلي منذ أربع سنوات، وقبل عام فقط، اقترح شوامرة الفكرة على فرقة الفنون التي رحبت بها وبدأت بتنفيذها.نفذ شوامرة جميع ديكورات اللوحات الراقصة، بينما تقاسم مع نورا بكر تصميمها، بمشاركة العديد من المساعدين .يقول شوامرة: "طوال أربع سنوات استحوذت علي فكرة تنفيذ لوحات راقصة من وحي كاريكاتور ناجي العلي، وبدأت بدراسة آلاف الرسومات له، وما أخر الاعلان عن الفكرة هو خوفي من المغامرة عبر العمل بروح أعمال الفنان الذي استشهد بسبب أفكاره، أو أن أقدم معنى خاطئاً لرسومات العلي أثناء تنفيذها عبر لوحات راقصة".ويتابع "لكن ما شاهدته أول من أمس، من تفاعل الجمهور وإعجابه بدد مخاوفي".

تقول إيمان حموري مديرة المهرجان "هذا العمل الفني هو تكريم للشهيد ناجي العلي في ذكرى اغتياله التي تصادف هذه الأيام".وتقول "كان لدى العلي قدرة فريدة على استشراف المستقبل، ربما هو الفنان الوحيد الذي تصلح أعماله للحاضر والمستقبل بالضبط كما كانت تعكس الماضي في حينها". وتضيف: "ناجي العلي رمز وطني، وأرشيف ممكن أن ترى فيه كل معاناة فلسطين".

وفي لوحة "أنا موجود" ، يظهر على المسرح قبران، الأول كُتب على شاهده "أنا موجود"، بينما كُتب على الآخر الرقم "4557"، والرقم الأخير ليس رقم قرار لهيئة الأمم المتحدة يخص فلسطين لم ينفذ بعد، بل هو رقم صاحب فكرة اللوحات ومصممها ماهر شوامرة عندما كان معتقلا في سجن مجدو قبل عدة سنوات.حاول الراقصون في اللوحة التعاطي مع فكرة الموت، هذه الثيمة التي تكاد تكون مشتركة في أعمال ناجي العلي، ودائما هناك "الزلمة الطيب"، وفاطمة، والمتكرشون، وهم حسب ناجي العلي شخصيات بلا ملامح ومبادئ، وهناك دوماً القبور وشواهدها التي حملت بعضها أرقام قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين مثل 242 و338 .

أما اللوحة الأخيرة "أنا .. نحن" التي جاءت بعد لوحة "خلاف" فيبدو أن الراقصين توصلوا للحل بعد الخلاف، والحل لا بد أن يكون مشرفاً ليستحق الرقص، حيث استبدل الراقصون المكنسة من فوهة البندقية بريشة الفنان في إشارة الى أنها أقوى من الرصاص الذي غيبه.

بقلم: نائلة خليل
جريدة الأيام
تموز 2007